الشهادات العلمية: و عقدة مسؤولي الحكومة العراقية
الشهادات العلمية :
وعقدة مسؤولي الحكومة العراقية
الشيخ عصام البوهلالة
رغم مرور عدة أسابيع على فضيحة الشهادات الجامعية التي حصل عليها المسؤولين العراقيين دون ان يقدموا جهدا علميا يذكر ، إلا اني حاولت الانتظار قليلا لتهدأ هذه الأزمة حتى استطيع الكتابة عنها بتجرد ، وليتمكن اصدقائي والمتابعين من قراءة ما اكتبه عن هذا الموضوع .
يقاس تطور الأمم والشعوب من خلال تفوقها بالتعليم وأساليبه المتطورة ، وقد تقدمت دول أوروبا على باقي دول العالم من خلال التركيز على استخدام الطرق الحديثة والمتميزة في التعليم ابتداء من المراحل الأساسية وحتى التعليم العالي ، واعطاءه الأولوية في جميع خططهم الحكومية ، ولغاية السبعينات من القرن الماضي كان العراق يصنف من الدول المتقدمة في مجال التعليم ، وقد اعترفت منظمة اليونسكو أن العراق قد تميز بأنه البلد الوحيد بين بلدان الشرق الأوسط الذي قضى على الأمية في ذلك الوقت وتميز بجودة التعليم ومجانيته ، مما انعكس تميزه على مجالات النهضة الصناعية والزراعية والتقدم في مجال البحوث العلمية من خلال جامعاته الرصينة على الكثير من دول العالم ، حتى أصبح الطالب العراقي يقبل في الجامعات البريطانية وغيرها من الجامعات الأوروبية دون سنة الاختبار ، وكذلك في جميع مراحل الدراسات العليا ، وقد خلق العراق بذلك جيلا يحمل إمكانات علمية متطورة في شتى مناحي الحياة في ذلك الوقت ، وتخرج من جامعاته علماء قدموا لبلدهم وبلدان العالم الكثير من الابداعات والتطور ، ولكن بدأ التعليم بالتراجع سلبياً في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي نتيجة لظروف الحروب والحصار ، ومع ذلك كانت هنالك بعض الضوابط والرصانة لغاية سنة 2003 ودخول العراق تحت مظلة الاحتلال .
حيث أن تلك الحكومات التي شكلت بعد الاحتلال لم تضع خطط هادفة لتطوير التعليم والارتقاء به ، سيما وقد ادعت هذه الحكومات بأنها جاءت للتطوير والإصلاح ، وبشكل مفاجئ بدأ كل شيء بالانهيار وفي مقدمة ذلك التربية والتعليم ، مما أدى إلى استبعاد العراق من التصنيف العالمي لجودة التعليم ، حيث ورد تسلسله في آخر قوائم الدول المتخلفة .
أما من جاؤوا مع الاحتلال وتبوءوا مراكز السلطة والقرار في العراق فكان أغلبهم يفتقد إلى الشهادات الأولية والعليا ، وبدلا من الاهتمام والتطوير بهذا المجال الحساس والمهم والارتقاء بكوادره العلمية والفنية بما فيها الجامعات ومراكز البحوث والاستفادة منها ، بل على العكس من ذلك وجهوا اهتماماتهم إلى الجامعات الخاصة الربحية التي تفتقر إلى العلمية والرصانة ، حتى وصل عددها اكثر من 45 جامعة .
اما من يطلقون على أنفسهم قادة البلاد ، فقد اختصروا الطريق وهرعوا الى جامعات الدول المجاورة العربية وغيرها الأكثر مرونة في التعليم ، ومنها الجامعات اللبنانية التي حصلت مسبقا على الاعتراف المتبادل في وزارة التعليم العالي العراقية قبل أن يحصلوا من خلالها على شهادات جامعية بدرجات متعددة وبدون جهد علمي يبذل ، وبطريقة الشراء والحضور يوم استلام الشهادات وتوثيقها من خلال التقاط الصور والمباركة .
إن حصول هؤلاء على هذه الشهادات تمنحهم امتيازات مالية ومناصب وظيفية ومدد إضافية للاستمرار في الخدمة ، وقد تجاوز عدد من حصلوا على هذه الشهادات أكثر من 27 الف شهادة عليا فقط من الجامعات اللبنانية ، ومن ضمنهم مسؤولين كبار من اصحاب القرار في مفاصل الدولة العراقية ، مما تسبب بفضائح تظهر لنا بين الحين والآخر تتعلق بهذا الموضوع .
والسؤال هنا ، هل أصبحت الشهادات الجامعية والمسميات العلمية العليا هاجسا عند قادة العملية السياسية في العراق ؟ نعم فبعد أن تمكنوا من السلطة وهيمنوا على أموال وخيرات العراق صاروا لاهثين من اجل الحصول على مقتنيات جديدة مثل هذه الشهادات وباي طريقة كانت ، والتزاما بما وضعته لهم سلطة الاحتلال من قوانين تفرض عليهم الحصول على شهادات دراسية جامعية ليتبوؤا من خلالها مناصب في مفاصل الدولة ، قد نسي هؤلاء إن الكثير من القادة السياسيين الحقيقيين في العالم الذين افنوا حياتهم بجهاد مستمر ضد الاحتلال والأنظمة لم يتمكنوا من اكمال دراستهم نتيجة لجهادهم ومطاردات السلطة لهم مما تسبب بحرمانهم من الإستقرار وإكمال مسيرة تعليمهم ، وبالرغم من ذلك فقد خلد التاريخ نضالهم امثال القائد الفيتنامي هوشي منه الذي قادة المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي وأصبح وزيرا للدفاع بعد التحرير ، بالرغم حصوله على شهادة التعليم الأساسي فقط ، وكذلك الراحل أبو علي مصطفى رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي اقلق «اسرائيل» حتى استشهاده وهو لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية ، وايضا الراحل ملا مصطفى البارزاني الذي قادة حركته على مدى عقود وهو لا يحمل أي شهادة إلا شهادة الكتاتيب ، وابنه مسعود الشريك في العملية السياسية الحالية الذي يحمل الشهادة الابتدائية رغم تسنمه أعلى المناصب في حكومة الإقليم ، وبغض النظر عن موقفنا الحالي منه ، إلا أنه قاد حزبه بحنكة ودراية عالية ، والكاتب الاديب العربي والعالمي عباس محمود العقاد الذي ترجمت كتبه إلى أكثر من سبع لغات عالمية وهو عضو مجمع اللغة العربية رغم حصوله على الشهادة الابتدائية .
ومثال آخر المستشار الألماني هتلر الذي احتل أوروبا بخططه العسكرية وهو خريج معهد للموسيقى ، والعالم إنشتاين الذي اذهل العالم باختراعاته رغم حصوله على الشهادة الابتدائية فقط .
أما هؤلاء الساسة قادة السلطة الحالية في العراق ، بالرغم من اقتنائهم اعلى الشهادات والدرجات العلمية، فقد اوصلوا العراق إلى حافة الهاوية ، نتيجة عقدهم النفسية وعدم كفائتهم وسوء إدارتهم للبلد ، وتعتبر هذه الحقبة من أسوأ الحقب على مدى تاريخ العراق الطويل ، مما حدى بالعراقيين البحث عن بديل يستطيع فرض القانون وقيادة البلد بالشكل الصحيح من اجل النهوض به من جديد.