القدس و هروب بينيت الى الامام: قراءة في لعبة المزايدات
القدس وهروب بينيت إلى الأمام:
قراءة في لعبة المزايدات
أ. نسيم قبها
لم تحصل من قبل هذه الحشود والرعاية الرسمية الأمنية والقضائية الصهيونية ، والإجماع السياسي في اقتحام المئات من قطعان المستوطنين نهار الأحد 29 أيار/مايو المسجد الأقصى خلال المسيرة الصهيونية المؤلفة السنوية ، في ذكرى احتلال القدس عام 1967، وهي المرة الأولى التي يسمح الأمن الاسرائيلي فيها للمستوطنين بتأدية شعائر تلمودية جماعية في الأقصى المبارك، بعد أن نقض قرار قضائي جديد قرار محكمة القدس السابق، والذي يحظر هذه الطقوس في الأقصى.
ولفهم ما يجري لا بد من ملاحظة أن الأحداث ومنذ انسحاب النائبة عيديت سيلمان من الائتلاف الحكومي بتحريض من نتنياهو، تتمحور حول مساعي رئيس الحكومة للحفاظ على ائتلافه الحكومي تلافيًا للسقوط. غير أن انسحاب غيداء الزعبي النائبة العربية عن حزب ميريتس اليساري مؤخرًا، والذي خلخل الائتلاف الحاكم وأحال حزامه النيابي إلى أقلية في الكنيست بدد فرصة بينيت في الحفاظ على حكومته. حيث أصبح الائتلاف الحكومي مرتكزًا على 59 صوتًا من أصل 120 نائبًا في الكنيست. مما يعطي الفرصة لنتنياهو بأن يقدم طلبًا لإجراء انتخابات مبكرة بسبب فقدان الحكومة للأغلبية النيابية.
وفي ضوء هذه المستجدات شرع بينيت للتحضير للانتخابات النيابية المحتملة عبر الهروب إلى الأمام، ودعم مطالب القواعد اليمينية المتطرفة، والتواطؤ على تصرفاتها الاستفزازية بحق الفلسطينيين، سيما وأن بينيت نفسه ينتمي إلى اليمين الأكثر تشددًا في شأن القدس وتهويد المقدسات على وجه الخصوص. ورغم أن أجندته لا تلتقي مع الأجندة الأميركية بشأن الأقصى والمقدسات لكن إدارة بايدن فضلت التعاطي معه ودعم ائتلافه الحكومي الهش تلافيًا لعودة نتنياهو إلى السلطة. وبهذا المعنى كان بينيت وحكومته خيارًا ظرفيًّا أملاه توجه إدارة بايدن وأجندته التي لا تنسجم مع نتنياهو الرافض لتقديم أية “تنازلات” تخدم الحل الإقليمي الذي شرعت إدارة ترمب بفرضه على المنطقة، كما جعل السياسة الأميركية خادمة لأجندته اليمينية ومصالحه الشخصية، مستغلًا حاجة ترمب له، وهذا ما يُفسر قول رئيس المخابرات المركزية الأميركي الأسبق بأن نتنياهو قد تصرف وكأن لديه “شيكًا مفتوحًا”.
ولا يخفى أن ذلك قد شجع المستوطنين على تجاوز الخطوط المسموح بها، وبخاصة في ملف الأقصى والمقدسات ودفع بالرأي العام الصهيوني إلى أقصى درجات التطرف، والذي يمتنع معه التقدم خطوة واحدة إلى الأمام حيال “عملية السلام” في ظل حاجة الإدارة الديمقراطية الحالية إلى تحقيق إنجاز في الملف الفلسطيني، واستثماره في الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب. ولعل ما يؤكد أن الأحداث في فلسطين تسير على صعيد المزايدات الداخلية بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية هو إجماع الساسة الإسرائيليين بمن فيهم قوى اليسار كحزب ميريتس على تأكيد السيادة الإسرائيلية على المقدسات والوقوف صفًا واحدًا خلف قطعان المستوطنين، مما يشي بإدراكهم جميعًا بقرب سقوط الحكومة وانتهازهم الفرصة لتسجيل المواقف الجاذبة للقواعد الانتخابية اليمينية، بمن فيهم بينيت نفسه، والذي وفر الحماية والغطاء السياسي والأمني لمسيرة الأعلام المستفزة، إذ يتوسل من تمريرها رغم أنف “المقاومة” كسر قواعد الاشتباك التي فرضتها حماس في المعركة الأخيرة (سيف القدس)، والمتمثلة بربط القدس باستراتيجيتها العسكرية. وهو الأمر الذي قد لا تُثمر معه الضغوط الدولية والإقليمية لوقف التصعيد على كلا الطرفين؛ ذلك أن فصائل المقاومة قد تعهدت بالتدخل العسكري لحماية المقدسات والربط بين غزة والقدس، ورعاية إسماعيل هنية وقيادات حماس في الداخل لهذا الربط وهندسته بموافقة ضمنية خارجية، وأن حكومة بينيت المأزومة وكافة القوى السياسية الإسرائيلية التي تترقب انتخابات مبكرة محتملة، باتت مقيدة باسترضاء قواعد اليمين المتشدد وإنفاذ إرادته.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن احتمال خروج الأحداث عن مسارها ووقوع صدام عسكري محدود غير مستبعد على المدى القريب ، ما لم تضع أميركا ورجالاتها في المنطقة ثقلًا كبيرًا لمنع وقوع الصدام، ومن ذلك استغلال حزب الله للأزمة ودخوله على خطها، وتلميحه بالتدخل مع إيران في المواجهة؛ لإدراكه قواعد اللعبة، وحاجة أميركا لكبح جماح اليمين المتطرف في (الكيان الصهيوني). وفيما إذا لم تجد أميركا مفرًا من الصدام، فمن المرجح أن تستغل المواجهة والسماح لحماس والمقاومة من خلال رُعاتها الرسميين في( قطر ومصر) بتفعيل العمليات الفدائية، أو بإعادة الجولة العسكرية السابقة، وضرب الرأي العام الإسرائيلي اليميني، وإقناعه بعدم جدوى الرهان على القوة وسياسة الأمر الواقع، والانتهاء من المواجهة المحتملة بتثبيت قواعد الاشتباك التي تحققت في معركة (سيف القدس)، والإفادة منها في إخضاع قوى اليمين المتطرف في إسرائيل على قبول تدويل المقدسات.
وأما على صعيد المواقف العربية الرسمية المتواطئة ، فليست مُفاجأة؛ لأن وظيفتهم لا تتعدى توفير الغطاء السياسي للكيان الصهيوني لمواصلة تغوّله وعربدته وفرض الأمر الواقع على أهل فلسطين .
وأما حماس وباقي “فصائل المقاومة”، فقد سلوكهم وتحركهم وفق المقاربات السياسية لرُعاتهم ، وبخاصة حكام قطر الذين اعترفوا بأنهم يتلقون التعليمات من أميركا ويوجهون حماس بمقتضاها.
إن ملف القدس كملف اشتباكي بين اليمين الصهيوني ، وغرفة العمليات المشتركة الفلسطينية بمساعدة قطر والمخابرات المصرية ، والسياسة الأمريكية التي يجب أن تتعاطى مع الملف كاستحقاق انتخابي نيابي ، يبين ان الملف سيبقى ساخنا ما لم يحسم على طاولة التفاوض.
مدير مركز ذرا للدراسات والأبحاث/ فلسطين