أجنحة الكتب المتكسرة في مهب الفضاء الالكتروني: حضور الكتاب و غياب القارئ
أجنحة معارض الكتب المتكسرة في مهب الفضاء الالكتروني: حضور الكتاب وغياب القارئ..
أ. فـيـروز مـخـول*
لا شك ان معارض الكتب في الدول العربية، تعد فرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها، ويحفل العالم العربي بالمعارض التي يشارك فيها أهم الكتاب والمثقفين العرب بالإضافة إلى الناشرين عبر مئات دور النشر حول العالم، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية الرسمية و الهيئات التعليمية،
و تتنوع الكتب في موضوعاتها وتخصصاتها و استهدافاتها من علمية وادبية وفكرية وكتب مخصصة للأطفال و لشرائح عمرية متنوعة.
وتعد مؤشرا مساعدا في قياس الحالة الثقافية والأدبية التي تعيشها، وهو كذلك انعكاس لحركة التأليف والنشر والتوزيع
وكان لانطلاق اول معرض للكتاب عام ١٩٥٦ بمبادرة من النادي الثقافي العربي ببيروت دوره الريادي واهميته القصوى على صعيد الثقافة العربية في انطلاق الكتاب وعبوره الحدود القطرية، و من ثم كانت الانطلاقة الحقيقية والأوسع بمعرض القاهرة ١٩٦٩
وكان الهدف من اقامة المعارض ترويج و تعريف الكتب بالقاريء المتلقي كنتاح فكري ثقافي يساهم في رفع مبيعات الكتاب وبناء اقتصاديات الطبع و النشر عبر تسويقه التجاري، مما يوفر فرص عمل ودخولاً ماديا لسلسلة من العاملين و الناشرين والمؤلفين والفنيين من مصممين وموزعين وبائعين. واما الهدف الآخر لإقامة المعارض فهو ثقافي وتنويري، فتبدع جوًّا من التفاعل الفكري أولا بين رواد المعرض، كونه يشكل منبرًا مفتوحًا على كل الثقافات، فتظهر الإبداعات الأدبية بكل مجالاتها الشعرية والروائية والنقدية والفكرية والسياسية والعلمية، فيقدم نتاجات النخب المعروفة مع الأجيال الشابة الصاعدة التي تحاول ان تضع بصمتها في ميادين الأدب و العلم، ليحلق عالياً في افضية الثقافة العربية.
وربما كانت لزيارة معرض الكتب العديد من الفوائد التي تعود على الزوار من أدباء و طلاب وباحثين ودارسين ونقاد و اعلاميين، بالإضافة إلى الجمهرة الاهم من محبي و قراء الكتب التي تنمي العديد من الجوانب الفكرية والإبداعية لديهم، كما تتمثل فائدة زيارة معرض الكتاب في توسيع المدارك الثقافية والفكرية وخلق جو من التألف والحوار و التعارف و التلاقح الثقافي.
ولكنها للأسف باتت موسما للاستعراض ولحفلات التوقيع الباذخة ومرتعا خصبا لالتقاط الصور مع الكتاب ومع الكتَّاب، ومكانا لممارسة هواية التقاط صور السيلفي لتجد تلك الصور اماكنها على صفحات مواقع التواصل الأجتماعي (الفيسبوك نموذجاً) فالأزدحام وتلك الكتل البشرية من زوار وانتفالهم بين اروقة اجنحة المعارض تحقق لهم لاحقا عسرات، بل مئات الأعجابات الافتراضية وتحقق لهم مجدا ربما هم يحتاجونه كي يرمموا اجنحتهم المتكسرة، فليس من مقتني حقيقي لها الا ماندر، و لا تعتبر عملية البيع و نسبة المبيعات رقما او مؤشرا لحجم القراءة، فهناك من يتخذ من الكتاب جزءً جميلا من استكمالات الديكور المنزلي، فالاغلفة الجميلة و الاسماء الكبيرة ليست الا جزء من ثقافة التباهي بالمعرفة، وهو اقتناء خلبي لا طائل من ورائها.
واعتقد ان فكرة المعرض باتت من الافكار القديمة حيث فقدت حماسها لدى الناشرين و المؤلفين على السواء فهناك ثمة سوق للكتب و مكتبات تقوم بمهمة المعارض في كل بلد أو مدينة، فالمعارض فقدت مهمتها التقليدية وباتت مهددة بالتلاشي والذوبان.
فمعظم الكتب التي تباع في معرض الكتاب من الممكن الحصول عليها خارج المعرض.وخاصة ان الكتاب بات يفرض نفسه كسلعة استهلاكية وهو امر يجابه بالنقد من قبل شريحة كبيرة من المثقفين الذين يرغبون في ان يكون للكتاب قيمته وقدسيته والا يكون على رفوف المولات الاستهلاكية كبضاعة تقليدية، رغم اهمية الكتاب التي لا تقل عن المشرب والمأكل.
ندرة البيع.. وغياب القاريء الحقيقي :
يعود غياب القارىء الحقيقي إلى عدة اسباب منها التطور السريع في عالم الاتصالات و الترجمة والفعالية المتعاظمة للصورة على حساب الكتاب المطبوع ورقياً، كما ان الازمة الاقتصادية وضغف القدرة الشرائية التي يتحمل جزءاً كبيراً منها حالة الواقع العربي الميؤس اللا مستقر نسبياً نتيجة الحروب والثورات والتي خلفت مآس ومجاعات حقيقية وعمليات الهجرة و الأنتقال من بيئة إلى اخرى و حركات النزوح وتدني مستوى التعليم والخدمات المساعدة في المجال التعليمي بالأضافة إلى ازمة الغذاء و الماء والأزمات الاغترابية التي دخلها المثقف العربي المأزوم اصلا نتيجة ذهنية السلطات المتحكمة بجميع مفاصل الفكر والثقافة.وممارستها للرقابة والقص والرفض،غير مدركة ان عالم الانفتاح الالكتروني اجتاح الحدود والحواجز والأسلاك الشائكة، فالكتاب الالكتروني بات منافسا وقويا يهدد وجود الكتاب بشكله التقليدي وهو امر فرضته الثورة التكنولوجية في ممارسة ايقاع حياة جديدة ومختلفة،
كل ذلك شكل تراجعا في
نسب القراءة و بالتالي تراجع اقتناء الكتب و اضمحلال المكتبات الشخصية المنزلية. وخاصة لدى الفئات الشابة لميلهم نحو عالم الصورة و سحرها والاعتماد بشكل شبه كلي على ما تضخه الشابكة العالمية الالكترونية و انحسار رائحة الورق و ملمسه وتلاشي رائحة الحبر و سحر الكلمة المطبوعة ورقيا وهو امر بدأ بالصحف اليومية و المجلات الدورية لينتهي بالكتاب المعرفي، في طريقه لإنحسار كتب المناهج التعليمية.
و هي تحديات عميقة تطال الثقافة قبل الكتاب نفسه.
فالأوضاع الاقتصاديةَ المتردية ترمي بظلالها القاتمة على نسب انتاج الكتاب وخاصة بغياب الدعم وخفض ميزانية الدعم الحكومي والمؤسساتي، ونضوب السيولة المالية لدور النشر التي لم يعد بوسعها المغامرة بطبع كتب لن تجد طريقها للتسويق والبيع.
فكيف يمكن للمعارض ان تستمر و ان ترمم منابت ريشها وتحلق في عالم يفرض عليها ان تخلق من رمادها من جديد، وان تعيد للكتاب القه وعمقه وجماله، وان تبدأ من حيث انتهت في خطوات تشاركية مجتمعية تبدأ من جيل طلاب المدارس طلاب الجامعات في اليات تمتلك القدرة في التحليق المعرفي نحو فضاءات اكثر حرية وشساعة و جمالاً…
_______________________
*فيروز مخول :شاعرة وكاتبة سورية مغتربة تقيم بالسويد، صدر لها العديد من الكتب الشعرية والدراسات النقدية.