ملاحظات و استدراكات و حواشي اضافية على كتاب: بين النيل و السين للأستاذ يحي إبراهيم
ملاحظات واستدراكات وحواشي اضافية على كتاب: بين النيل والسين للأستاذ يحي إبراهيم
د. خالد محمد فرح
بعد عودتي كرّة أخرى للاطلاع بعناية وتمعن ، على كتاب الاخ يحي إبراهيم : بين السين والنيل: العلاقات السودانية الفرنسية، لغرض كتابة التقديم الذي خططته لذلك السفر ، عنّت لي بعض الملاحظات والاستدراكات والهوامش على متن الكتاب، التي اود ان أنبه المؤلف اليها، من اجل وضعها بعين الاعتبار في الطبعات اللاحقة ان شاء الله، كما أود أن أشرك حضرات القراء الكرام فيها تعميماً للفائدة أيضا.
* بعض هذه الاستدراكات والملاحظات عبارة عن تصحيح لعدد قليل جدا من الاخطاء الطباعية غالباً، وددت التنبيه اليها لاصلاحها في الطبعات القادمة من الكتاب باذن الله.
* في صفحة 13 مثلاً، جاء فيها ان المغامر الفرنسي شارل بونسيه، وهو من اوائل الأوروبيين على الاطلاق الذين زاروا السودان في عهد سلطنة سنار، قد غادر القاهرة هو ورفيقه الاب بريفدان ، متوجهين نحو الحبشة عبر اراضي تلك السلطنة السودانية في عام 1678م، والواقع هو ان ذلك قد تم في عام 1698م اي بعد عشرين سنة من التاريخ المكتوب. وقد اصلح هذا الخطا في ذات الصفحة عندما اشار الكاتب إلى بونسيه قد اصدر كتابا عن رحلته تلك بعنوان: رحلة إلى إثيوبيا في الأعوام ١٦٨٩ و١٦٩٩ و١٧٠٠.
* تطرق الكاتب في صفحة ١٤ إلى مقتل افراد بعثة المسيو دي رُول نائب القنصل الفرنسي بالقاهرة في عام ١٧٠٥م ، بواسطة سلطان الفونج بسنار بايعاز من المبشرين اليسوعيين. وان كان لنا من تعليق على تلك الحادث ، فهو ان الفرنسيين عموما قد غضبوا على السناريين وملكهم بادي، اكثر من غضبهم على الاباء اليسوعيين وإمبراطور الحبشة الذين كانوا هم وراء ذلك الفعل حقيقة. وهذه النقطة لعلها تفتح بابا ما يزال مشروعا للتساؤل حول السر في تدليل الغربيين لاثيوبيا على الدوام ومهما فعلت، في مقابل انقباضهم المجاني وتضييقهم الدائم على السودان في كل عهوده .
* في صفحة 25 من الكتاب، ذكر المؤلف ان الضابط الفرنسي فرانسوا لامي قد تقاتل مع المغامر السوداني رابح فضل الله في معركة ” لختة ” كما سماها الكاتب في 22 أبريل 1900 تلك المعركة التي انتهت بمقتل كلا القائدين. ولا ندري من اي مصدر جاء المولف بالاسم ” لختة ” هذا لان المعروف والمشهور والمدون في معظم المراجع ذات الصلة، ان تلك المعركة قد دارت بمنطقة ” كوسيري ” الواقعة على الضفة اليسرى لنهر شاري في الأراضي الكاميرونية قبالة العاصمة التشادية انجمينا.
* في صفحة 35 بالنسبة لقائمة السفراء السودانيين الذين تعاقبوا على رئاسة البعثة الدبلوماسية بباريس منذ الاستقلال: الفترة الثانية للدكتور بشير البكري كانت بين عامي ١٩٧٨ و١٩٨٢ وليس ١٩٨٧ كما هو مكتوب. والسفير دكتور نور الدين ساتي كانت فترة عمله بين عامي ١٩٩٢ و١٩٩٦ وليس بين عامي ١٩٩٣ و١٩٩٧ كما هو مكتوب. والدكتور التجاني صالح فضيل بين عام ١٩٩٦ و٢٠٠١م وليس بين عامي ١٩٩٧ و٢٠٠٠ كما هو مكتوب. والسفير عبد الباسط السنوسي بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٦ وليس بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ كما هو موضح. كذلك لاحظت ان فترة عمل السفير الراحل يوسف مختار قد أسقطت تماما ، وهو الذي تولى رئاسة البعثة بباريس بين عامي ١٩٨٣ و١٩٨٧م. وعليه ينبغي مراجعة هذه القائمة وتواريخها.
* في صفحة ٤٥ من الكتاب ، وفي معرض حديث المؤلف عن علاقته باللغة الفرنسية وتعلمها، يعلمنا المؤلف بان في هذه اللغة ٢١ صوتاً في مقابل ستة اصوات فقط في اللغة العربية. ولعل المقصود هنا بصفة خاصة اصوات الحروف الرخوة او المعتلة مثل حرف ال U بنطقه الفرنسي الذي لا وجود له في اصوات اللغة العربية ولا لهجاتها العاميات. ولذلك يجد المتحدثون بهذه اللغة ولهجاتها عسرا شديدا في نطقه . وبهذه المناسبة كنت قد عثرت في مكان قبل سنوات على طريقة عملية لتعلم ذلك الصوت، هي أن يضمر المتعلم او الدارس انه يريد أن ينطق الصوت E الانجليزي، وهو صوت سهل المخرج والنطق، ثم يكور شفتيه في اثناء ذلك معا، فسيجد نفسه وقد نطق حرف ال U الفرنسي على وجهه الصحيح تماما. هذا، وقد لاحظت ان الناس. في بعض بلدان إفريقيا الفرانكفونية خاصة، يحيلون حرف ال U الفرنسي هذا في النطق إلى ما يشبه نطق حرف ال E الإنجليزي او ال I الفرنسي ، فيقولون مثلا La Ri وهم يقصدون La Rue أي الشارع، وذلك بسبب صعوبة نطق صوت ال U الفرنسي.
* وأضحكتني الطرفة والموقف المحرج الذي أورده المؤلف في صفحة ٤٦ بسبب نطقه لكلمة pompe بالبي bombe والبون بينهما شاسع بالطبع، خصوصا إذا ما تفوّه بها شخص سوداني مسلم من دولة مارقة ومتهمة برعي الإرهاب في نظر الغرب. والسبب في خلط كثير من الناطقين بالعربية بين صوتي الباء المجهورة B والأخرى المهموسة P ، هو عدم وجود هذا الصوت الأخير في النظام الصوتي للغة العربية ولهجاتها.
* في صفحة ٤٦ اشار المؤلف إلى بداية تعليم اللغة الفرنسية في المدارس الثانوية بالسودان في العام الدراسي ١٩٦٩ ١٩٧٠ ، مرتبطا بعهد الدكتور محي الدين صابر رحمه الله ، الذي كان هو اول وزير للتربية والتعليم في عهد حكم الرئيس جعفر نميري رحمه الله، ولعله قد فات على المؤلف ان يعلل ذلك التطور بدافع او عامل ذاتي الطابع ، هو أن الدكتور محي الدين صابر ، يعتبر من الرعيل الاول من الفرانكفونيين السودانيين الذين درسوا اولا بجامعة فؤاد الاول بمصر في النصف الاول من الأربعينيات ، ثم أكملوا دراساتهم فوق الجامعية ، وحصلوا على الدكتوراه من الجامعات الفرنسية ، في اوائل خمسينيات القرن الماضي. وهم الدكاترة :،محي الدين صابر ،وبشير البكري ، وعقيل احمد عقيل ، واحمد السيد حمد.
* في صفحة 47 واضع المنهج الجديد للغة الفرنسية للمرحلة الثانوية بالسودان ، هو الدكتور زكريا علي احمد وليس الدكتور زكريا علي ادم كما هو مكتوب.
* في صفحة ٥١ قال المؤلف ان معرض: تهارقا ملك الأرضين، كان من المفترض ان يقام في باريس في الفترة ٢٨ أبريل و٢٥ يوليو ٢٠٢٢ ، بمبادرة من متحف اللوفر والسفارة الفرنسية بالخرطوم ، لكن تم إلغاؤه كما قال بسبب الحرب التي اندلعت في ١٥ أبريل من نفس العام. والواقع هو ان ذلك المعرض قد قام بالفعل، وحظي بنجاح باهر وإقبال جماهيري كبير ، وكان من اول الفعاليات التي زرتها بمفردي اولا ، ومرة أخرى في رفقة وزير الثقافة الدكتور جراهام عبد القادر، عندما زار باريس في شهر يوليو ٢٠٢٢م
* في صفحة ٨٣ ذكر الكاتب ان فرنسا هي التي بادرت مع بريطانيا بطرح القرار 1093 بمجلس الامن، ذلك القرار الذي تمت بموجبه احالة موضوع دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وطبعا المقصود هو القرار الشهير 1593 . ولعل السبب في هذا الخطاً الطباعي، هو ان الرقم خمسة بحسب الأرقام المشرقية الهندية الأصل كما يقال، يشبه الرقم zéro او صفر في الأرقام الإفرنجية المعمول بها في المغرب العربي ايضا. والمهم هم ان رقم القرار المعني هو 1593 وليس 1093 كما هو مكتوب.
* في صفحة 103 يوقفنا المؤلف على فصل طريف من فصول علم اللغة الاجتماعي، يتعلق خصيصاً ببعض الممارسات الملتوية وغير الاخلاقية المرتبطة بعالم اللجوء، والحيل التي يلعبها بعض اللاجئين من مختلف دول العالم الثالث داخل البلدان الغربية ، بمن فذلك نفر من السودانيين للأسف ، من اجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات والمساعدات المالية والخدمات الاجتماعية من سلطات البلدان المضيفة، عن طريق النصب والاحتيال فقط، وهو قوله: ” من الأشياء التي تثير حفيظة الأوروبيين على الاجانب، استغلال بعض هولاء الثغرات في النظام الاجتماعي للاستفادة منه وللحصول على مساعدات مالية ومساكن وعلاج من غير وجه حق، وبطرق غير مشروعة. ويسميها السودانيون المقيمون في فرنسا، وربما في بلدان اخرى ب ” الحفرة ” فيقول احدهم: عندي ثلاث او اربع حفر، بمعنى انه يتلقى ثلاث إعانات من ثلاث مناطق مختلفة.
* في معرض الحديث عن بعض الشخصيات السودانية
والفرنسية التي ترجم لها المؤلف تحت العنوان الجانبي: جديرون بالاحترام، ذكر المولف ان الشيخ عوض الله صالح قد كان مفتي الديار السودانية بين عامي 1908 و 1989 وهذا محال بالطبع . إلا ان يكون المقصود ان ذلك الشيخ قد ولد في عام ١٩٠٨ وتوفي في عام ١٩٨٩ او ربما انه قد تولى منصب مفتي الجمهورية بين عامي ١٩٨٠ و١٩٨٩ ، ولكنني اميل إلى الافتراض الاول. المهم هذا التاريخ فيه خطا ما ويحتاج لمراجعة وتصحيح.
* اورد المؤلف بين صفحتي ١٦٧ و ١٦٩ ترجمة مؤثرة للغاية، للراحل السيد جان رولان المدير الأسبق للمركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم خلال النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي ،ذلك الرجل المحب هو وأسرته للسودان، والذي شهد المركز والعلاقات الثقافية بين السودان وفرنسا في عهده ازدهارا غير مسبوق ولا ملحوق مطلقا حتى الان ، بحسب ما جاء في سيرته بالكتاب، وانا أود أن اعرب عن اسفي بانني لم تتح لي الفرصة للتعرف مباشرة وعن كثب على ذلك الرجل، بسبب وجودي خلال تلك الفترة خارج السودان لدواعي العمل.
* واخيراً اسعدني للغاية ان خصص الاخ يحي مسك ختام كتابه لاستاذنا العزيز الدكتور يونس الامين الذي تشرفت أنا ويحي بان درسنا على يديه اللغة الفرنسية في السنة الاولى بكلية الاداب بجامعة الخرطوم ، وهو قادم للتو من باريس مزوداً بشهادة الدكتوراه في اللسانيات التطبيقية من جامعة السوربون باريس ٣ في نفس العام. وبالطبع لا تذكر اللغة الفرنسية وفرنسا والفرانكفونية بل الفرانكوفيلية ايضاً في السودان ، إلا وياتي اسم استاذنا الجليل الدكتور يونس الامين في المقدمة ، ويكفي انه الشخص الوحيد في السودان الذي نال اربعة أوسمة فرنسية في مناسبات مختلفة: واحد من رئيس جمهورية ،،واثنان من رئيسي وزراء مختلفين ، وواحد من وزير للتربية بالجمهورية الفرنسية .. حيا الله استاذنا دكتور يونس ومتعه بالصحة والعافية.